رفض الإفراج وتأجيل محاكمة نشطاء "أرض اللجوء" يؤجّجان نقاش العمل الحقوقي بتونس

رفض الإفراج وتأجيل محاكمة نشطاء "أرض اللجوء" يؤجّجان نقاش العمل الحقوقي بتونس
وقفة تضامنية مع نشطاء جمعية تونس أرض اللجوء

رفضت محكمة تونسية طلب الإفراج عن نشطاء من جمعية تونس أرض اللجوء، المدافعين عن قضايا الهجرة، في انتظار استئناف محاكمتهم التي أجلت إلى الخامس من يناير المقبل. 

جاء هذا القرار في جلسة عقدت متأخرة مساء أمس الاثنين، في خطوة أثارت ردود فعل محلية ودولية حول مستقبل العمل الحقوقي والإنساني في البلاد.

منذ 19 شهرا، تم توقيف شريفة الرياحي، رئيسة جمعية تونس أرض اللجوء، إلى جانب نشطاء آخرين وموظفين في بلدية مدينة سوسة، للتحقيق في اتهامات تتعلق بمساعدة مهاجرين غير نظاميين على الاستقرار في تونس، وتشمل الإجراءات أيضا تدقيقات ضريبية حول أنشطة الجمعية، التي تمثل الفرع المحلي لجمعية أرض اللجوء غير الحكومية الفرنسية، وتأتي هذه الاعتقالات في سياق حملة أوسع طالت نشطاء من عدة منظمات مدافعة عن حقوق المهاجرين خلال العام 2024.

نشطاء في قبضة القانون

وتعد هذه القضية الثانية من نوعها في تونس خلال أقل من شهر، بعد جلسة سابقة في 24 نوفمبر الماضي أسفرت عن الإفراج عن عضوين في المجلس التونسي للاجئين بعد احتجاز دام نحو 18 شهرا، وعلى الرغم من ذلك، لا تزال سعدية مصباح، رئيسة جمعية منامتي الناشطة ضد التمييز العنصري الممارس على السود بمن في ذلك المهاجرون القادمون من إفريقيا جنوب الصحراء، قابعة في السجن منذ مايو 2024 بتهم مشابهة.

تأتي هذه المحاكمات وسط انتقادات متصاعدة من منظمات حقوقية دولية ومحلية، التي تحذر من أن استمرار الاعتقالات والمحاكمات يهدد مستقبل العمل الإنساني في تونس ويخلق مناخا من الخوف لدى النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، وترى هذه المنظمات أن قيام السلطات بتوجيه تهم وملاحقة نشطاء الهجرة من شأنه أن يقمع العمل المدني ويحد من قدرة المجتمع المدني على الدفاع عن الفئات الأكثر هشاشة.

تواجه تونس ضغوطات من شركائها الدوليين للحد من تدفق المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء الذين يسعون لعبور البحر المتوسط نحو أوروبا، ويشير المسؤولون التونسيون إلى رفضهم أن تتحول البلاد إلى منطقة عبور أو استقرار للمهاجرين بطرق غير نظامية، مؤكدين أن ذلك يشكل تحديا أمنيا واجتماعيا واقتصاديا.

تعاون مع الاتحاد الأوروبي

في يوليو 2023 وقّعت تونس مذكرة تعاون شاملة مع المفوضية الأوروبية تقضي بتعزيز مكافحة الهجرة غير النظامية، وتحسين إدارة الحدود، وتقديم دعم تقني ومالي لتونس، إلا أن هذه الاتفاقية تواجه انتقادات من منظمات حقوقية تدافع عن حرية التنقل وحقوق المهاجرين، معتبرة أن الشراكات الأمنية يجب أن ترافقها حماية لحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي.

يحذر مراقبون من أن التضييق على منظمات المجتمع المدني قد يؤدي إلى تراجع العمل التطوعي والحقوقي في تونس، خصوصا في مجالات الإغاثة والدعم الاجتماعي للمهاجرين، الذين غالبا ما يجدون أنفسهم عالقين في المدن التونسية بلا فرص عمل أو مأوى مناسب، ومع اشتداد الضغط على هذه المنظمات، يخشى كثيرون أن يفقد المجتمع المدني أحد أهم أدواته في مواجهة التحديات الاجتماعية والإنسانية.

تعكس قضايا الاعتقال والمحاكمة التي تشهدها تونس توترات أعمق بين السياسات الأمنية المتعلقة بالهجرة والعمل المدني، وتأتي في سياق تحاول فيه العديد من دول جنوب المتوسط، ولا سيما تونس، التوفيق بين التزاماتها الدولية في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، والتزاماتها تجاه حماية حقوق الإنسان، كما نصت عليها مواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وفي السنوات الأخيرة، أصبح موضوع الهجرة من القضايا المثيرة للجدل في تونس، ليس فقط كظاهرة مجتمعية واقتصادية، بل كاختبار لمدى قدرة المجتمع المدني على ممارسة دوره في الدفاع عن الحقوق الأساسية وتقديم الدعم للفئات الأكثر هشاشة. 

وقد أظهرت السنوات الأخيرة أن المهاجرين، لا سيما القادمين من دول جنوب الصحراء، يواجهون تحديات اجتماعية وقانونية كبيرة في تونس، بما في ذلك التمييز وقيود العمل وغياب الخدمات الأساسية، ومع استمرار الملاحقات القانونية بحق نشطاء الهجرة، يبدو أن تونس تقف أمام مفترق طرق بين احترام القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان، وبين الانخراط في سياسات أقرب إلى المنع والتقييد قد يكون لها انعكاسات طويلة الأمد على النسيج الاجتماعي والمجتمعي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية